الثلاثاء، 1 يناير 2013

مُلاحظات على مُحاكمة الشيخ ناظم أبو سليم

الكاتب: الصحفي وائل عواد
موقع بكرا : 5-5-2012
نحن مجتمع من "القبائل" و"العائلات" التي تأخذ أحيانا صفة "الأحزاب" و"الحركات". وكلما التقت مجموعة منا على "فكرة"، تتحول إلى "قبيلة"
شهدت فلسطين في فترة ما ظاهرة "تأجير أسماء العائلات"، إذ كانت العائلات الصغيرة "المستضعفة"، التي لا تُبالي لأن تكون "انتهازية"، كانت تدفع مجموعة من "الليرات" لإحدى العائلات الكبيرة، ذات الصيت الواسع، والسمعة التي "تبعث على الرهبة" في قُلوب العباد مُقابل أن "تستعمل" اسمها وتدعي أنها تنتمي لعائلة كبيرة، هي العائلة "قابضة الثمن" حتى لا يجرؤ الناس على المساس بها!
لقد كان من "السهل" على الشيخ ناظم أبو سليم، إمام مسجد شهاب الدين في مدينة الناصرة أن يقوم بهذه الفعلة، ولكن ليس على مستوى "العائلات"، إنما على مستوى "الأحزاب" أو الحركات السياسية الإسلامية، ليتحول من شخص "وحيد" في مواجهة الملف الذي يحاك ضده متكبدا مُقارعة القضاء الإسرائيلي متجرعا الأحكام والقيود المفروضة عليه منذ مدة اقتربت من العامين. لكنه اختار ألا يفعل هذا.
بل وأكثر من ذلك، أعرف جيدًا -والعمل الصحافي يُقربنا من حقائق مُدهشة كثيرة (بالمناسبة، هي بعد فترة لا تعود مدهشة!)- حالات تحولت فيها خلافات شخصية داخل أحزاب إلى مواضيع لها عناوين كبيرة في مواجهة "عدو خارجي" أو مُلاحقة على مسألة "أموال" في لائحة الاتهام يتم تسويقها للناس على أنها مُلاحقة لأسباب وطنية ودينية يحتاج صاحبها إذا أراد أن يقوم بها كما ظهرت في الإعلام لأن يكون صاحب قوى خارقة للطبيعة والعقل البشري! بل إن أحدهم حدّثني مرة قائلا: "في فترة الشباب، حصلت أنا وأصدقاء لي على سلاح، لم نقتنه لهدف ما، ولكننا أردنا تجريبه فقط، فجربناه في إحدى البلدات في حي كان فيه ـ بالصدفة ـ بيت لأحد القادة، فأطلقنا رصاصتين في الهواء في مكان بعيد أكثر من 100 متر عن بيت هذا القائد، لكننا فوجئنا بعد قليل بمئات الناس في بيته، وسمعنا في المذياع صباح اليوم التالي أنه كانت هُنالك عملية مُراقبة طويلة ومن ثُم محاولة اغتيال لهذا القائد على خلفية مقال كتبه، فأخذت أنا وأصدقائي نضحك، وبعد ثلاثة أيام ذهبنا معا إلى (المهرجان التضامني الكبير) مع هذا القائد وسمعنا الخطابات!.
طبعًا هذا كله ناهيك عن أشخاص هُم أيضًا يصدقون أنهم قد "استشهدوا" عدة مرات لولا صُدف مُدهشة لم تحدث ولا حتى مع "سوبر مان"!

لا أكتب مقالي هذا دفاعًا عن الشيخ ناظم أبو سليم، لكن جل ما أحاول القيام به هو فهم واقع وحقيقة ما يُسمى بـ"التضامُن مع الأفراد"!

ما أعرفه عن الشيخ أنه رفض دائمًا أن يكون "ولدا صغيرًا" في أحدى الأحزاب أو الحركات (ولا يهمني السبب). إلا أن قضيته رغم أهميتها والأبعاد التي تحتلها على عدة مستويات لفتت انتباهي لشيء لا أتورّع عن تسميته بـ"نفاق واضح" لدى الأحزاب والحركات السياسية التي تنبري للتهويل والتضخيم والمُبالغة المُفرطة المضحكة لبعض شخوصها بينما تستثني آخرين ممن تدعي أنها تُمثلهم في المحافل المختلفة، وخصوصًا عند جمع التبرعات لمُجرد أنهم "ليسوا أولادًا طيبين فيها"!

هذه الأحزاب تكذب عندما تقول إنها تُمثل وتدافع عن مُجتمع، وهي تكذب عندما تتحدث معنا بلغة "القضية الكبرى والهدف السامي" وهي تدعي عندما تجمع "الأموال" باسم أصحاب الوطن والقضية والدين وما إلى ذلك..
التهم الموجهة للشيخ ناظم أبو سليم، الذي سُجن لثلاثة أشهر سجنًا فعليًا وهُو مُبعد عن بيته مع سوار الكتروني في ساقه مُنذ أشهُر كثيرة، هي نُسخة طبق الأصل عن التُهم الموجهة لبعض أسرانا، والدولة التي تتهمهم والنيابة -وهي الجسم الذي يوجه التهم ويُحاكم - هما نفسهما من يوجها التُهم لأسرانا ويُحاكمهم، ولكن مع ذلك ترى صمتًا في قضيته لا نعهده عندما يتورط "أبناء الأحزاب" حتى في قضية "صغيرة" مما يعني أن "التضامن الوطني" منوط بعدد الأصدقاء ورفاق الحزب والحركة وليس منوطًا بالفكرة!

المُشكلة برأيي ليست أن الشيخ ناظم قال "أسامة حبيب الله" – على فرض أنه قالها فعلا- وليست أنه يتعاطف أو لأن هُنالك من فسر كلامه على أنه دعوة لأنواع جهاد مُحددة – على فرض أن هذا صحيحًا - ، فالتعاطف ليس تهمة (على الأقل في دولة ذات نظام ديمقراطي – وهذا نابع من حرية الفكر والضمير والدين والتديُن)، لا مع بن لادن عدو أمريكا (على فرض أنه فعلا حكاية حقيقية) ولا مع صدام حسين عدو أمريكا ولا مع تشي جيفارا عدو أمريكا، بل المسألة الحقيقة -برأيي- هي أن الشيخ "مزعج للسلطات"، ولو أنه "ابن أحزاب" لجمع أكبر تضامُن حتى ولو كان على خلفية "مُخالفة سير"، ولأسعفه "اسم العائلة – الحزب" الذي له علاقة "بالفائدة الدنيوية" وليس "بالفكرة"..!
بالمُناسبة، ليست حكاية الشيخ ناظم وحدها هي التي أثبتت أن أغلب القيادات عندما تقول كلمة "الشعب" تقصد بها "مجموعة الحزبيين المنتمين"، فالأمثلة كثيرة جدًا، وهذا ليس فقط في القضايا ذات الخلفيات "العقائدية الدينية"... فالكثير من الغبار يثور وتُخترع حكايات "النصر" في حالات أخرى!
إذًا، لا القضية ولا الخصم ولا الفكرة هي بوصلة التضامُن، إنما الشخصية والتيار والانتماء الحزبي هو عادة الذي يأخذ عنوانًا "كبيرًا مُلائمًا من أجل إثارة (الغثبرة)"، علمًا بأن حقيقته قد تكون مختلفة تماما، حتى لو لم يتعدّ الأمر مجرد حرب دونكيشوتية مع "طواحين الهواء"!!! فنحن مجتمع من "القبائل" و"العائلات" التي تأخذ أحيانا صفة "الأحزاب" و"الحركات". وهكذا، كلما التقت مجموعة من أبناء شعبنا على "فكرة"، فإنها سرعان ما تتحول إلى "قبيلة"، وتبدأ بالتصرف وفقا لهذا التعريف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق