الأحد، 21 نوفمبر 2010

أثْبُتْ أَبَا أسَامَةْ.. فَمَا هِيَ وَرَبِيْ إلَا أيَامٌ

أثْبُتْ أَبَا أسَامَةْ.. فَمَا هِيَ وَرَبِيْ إلَا أيَامٌ

بِسْمِ اللهِ الْرَحْمَنِ الْرَحِيْمِ وَالْصَلَاةُ وَالْسَلَامُ عَلَىْ خَيْرِ الْأنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ مُحَمْدْ وَعَلَىْ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَمْ، وَبَعْدُ،
        فَإنِنَا نُذَكِرُ إخْوَانَنَا وَأحْبَابَنَا دَائِمَاً وَأبَدَاً بِقَوْلِ الْنَبِيْ –صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ-: «بَدَأ الْإسْلَامُ غَرِيْبَاً وَسَيَعُوْدُ كَمَا بَدَأ غَرِيْبَاً.. فَطُوْبَىْ لِلْغُرَبَاءِ».. أوْلَئِكَ الْغُرَبَاءُ فِيْ زَمَانِهِمْ، كَمَا كَانَ الْرَسُوْلُ –صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ- غَرِيْبَاً فِيْ «الْعَهْدِ الْمَكِيْ»، لَيْسَ لَهُ دَوْلَةٌ تَحْمِيْهِ، وَلَا جَيْشٌ يُنَاصِرُهْ، وَلَا كَثْرَةُ أتْبَاعٍ تُشَجِعُهْ، وَلَا عَتَادٌ يَنْصُرُهْ، بَلْ كَانَ كُلُ الْثَبَاتِ يَنْهَلُ عَلَيْهِ مِنْ آيِ الْسَمَاءُ مِنَ الْرَبِ سُبْحَانَهُ؛ وَهُوَ أفْضَلُ وأرْفَعُ وأثْمَنُ مِنَ الْعَتَادِ وَالْنُصْرَةِ وَالْحِمَايَةِ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلبٌ وَوَعَىْ ذَلِكَ، فَالْوَعْدُ بِالْنَصْرِ وَالْغَلَبَةِ مِنَ اللهِ خَيْرُ مُعِيْنٍ فِيْ زَمَانِهِ «زَمَانِ الْغُرْبَةِ – العَهْدُ الْمَكِيْ» حَيْثُ لَا يَأمُلُ الْنَصْرَ وَالْتَمْكِيْنَ وَهُوَ فِيْ بِدَايَةِ الْطَرِيْقِ!! بَلْ «لَا يَكُوْنُ الْتَمْكِيْنُ بِلَا تَمْحِيْصٍ، كَمَا لَا يَكُوْنُ الْطِفْلُ بِلَا زَوَاجٍ»، فَالْتَمْكِيْنُ وِلَادَةٌ لِلْتَحْمِيْصِ كَمَا أنَ الْطِفْلَ وِلَادَةٌ لِلْزَوَاجِ..
        وَبِمَا أنَ الْنَبِيَ –صَلَوَاتُ رَبِيْ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ- قَالَ: «وَسَيَعُوْدُ كَمَا بَدَأ»، فَهَذَا يَعْنِيْ الْحَاجَةَ لِمِثْلِ جِيْلِ الْصَحَابَةِ الْفَرِيْدِ، لِلْنُهُوْضِ بِهَذَا الْدِيْنِ الْذِيْ يَحْتَاجُ إلَىْ رِجَالٍ لِرَفْعِهِ.. فَهُنَاكَ حَاجَةٌ لِمِثْلِ الْصَحَابِيْ أبِيْ بَكْرٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِيْ مِثْلِ تَصْدِيْقِهِ وَتَقْدِيْمِهِ للهِ عَزَ وَجَلْ، وَهُنَاكَ حَاجَةٌ لِمِثْلِ الْصَحَابِيْ عُمَرُ بِنْ الْخَطَابِ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِيْ مِثْلِ قُوَتِهِ وَغَلَبَتِهِ وَجِهَادِهِ وَفَرَارِ الْشَيْطَانِ الْرَجِيْمِ مِنْهُ لِيَسْلُكَ فَجَاً غِيْرَ الْذِيْ سَلَكَ، وَهُنَاكَ حَاجَةُ لِمِثْلِ الْصَحَابِيْ «الْفِدَائِيْ» عَلِيْ بِن أبِيْ طَالِبٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الْذِيْ فَدَا الْنَبِيَ –صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ- فِيْ سَرِيْرِهِ وَنَامَ فِيْ مَحَلِهِ حِيْنَ حَاوَلَ كُفَارُ قُرَيْشٍ الْنَيْلَ مِنْهُ، وَهُنَاكَ حَاجَةٌ لِمِثْلِ الْصَحَابِيْ بِلَالُ بِنْ رَبَاحْ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِيْنَ جُرْجِرَ عَلَىْ الْرِمَالِ الْسَاخِنَةِ فِيْ أشَّدِ بِقَاعِ الْأرْضِ حَرَاً، وَوُضِعَتْ عَلَىْ صَدْرِهِ «الْحِجَارَةُ» الْكَبِيْرَةُ، وَهُنَاكَ حَاجَةٌ لِمِثْلِ الْصَحَابِيْ عُثْمَانْ بِنْ عَفَانْ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِيْنَمَا كَان يُعْطِيْ كُلَ أمْوَالِهِ للهِ سُبْحَانَهُ، وَيَرْغَبُ بِمَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَىْ، فَيَشْتَرِيْ الْجَنَةَ وَالْآخِرَةَ بِأمْوَالِ الْدُنْيَا!! فَكَانَ حَقَاً أنْ كَانَ الْصَحَابَةُ خَيْرَ صَحَابَةٍ لِخَيْرِ رَسُوْلٍ –بِأبِيْ هُوَ وَأمِيْ-.
        وَحِيْنَمَا تَرَبَىْ الْصَحَابَةُ «الْتَرْبِيَةَ الْصَحِيْحَةَ» عَلَىْ يَدِ قَائِدِهِمْ –صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ- كَانُوْا أفْضَلَ جِيْلٍ عَلَىْ مَرِ الْعُصُوْرِ، وَإسْتَطَاعُوْا أنْ يَرْفَعُوْا دِيْنَ اللهِ جَلَ وَعَلَا فِيْ الْأرْضِ، بَعْدَمَا نَالُوْا قِسْطَاً وَافِرَاً مِنَ الْتَرْبِيَةِ الْصَحِيْحَةِ «الْحَنِيْفِيَةِ» الْتِيْ لَا مَيْلَ فِيْهَا وَلَا إنْحِرَافَ وَلَا إعْوِجَاجْ.. وَدَلِيْلُ أفْضَلِيَتِهِمْ قَوْلُ سَيِدْنَا وَسَيِدِهِمْ مُحَمَدْ –صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ-: «خَيْرُ الْنَاسِ قَرْنِيْ، ثُمَ الْذِيْنَ يَلُوْنَهُمْ، ثًمَ الْذِيْنَ يَلُوْنَهُمْ»، فَلَمْ يَكُنْ لِلْدِيْنِ دَوْلَةٌ وَلَا تَمْكِيْنٌ فِيْ الْأرْضِ، إلَا بَعْدَمَا نَشَأ هَذَا «الْجِيْلُ الْفَرِيْدُ»، وَرُغْمَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الْتَمْكِيْنُ إلَا بَعْدَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَامَاً!! فَمَا بَالُنَا بِجِيْلِ الْيَوْمِ الْذِيْ تَمْ غَزْوُهُ «فِكْرِيَاً» فَصَارَ عِنْدَهُمُ الْدِيْنُ صَلَاةً وَزَكَاةً فَحَسْب؟؟!
        وَكَمَا قَالَ الْنَبِيُ –صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ-: «الْدُنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ.. جَنَةٌ الْكَافِرِ»، وَحَقَاً تَكَادُ هَذِهِ «الْحِكْمَةُ» تَتَحَقَقُ «بِشَكْلٍ غَرِيْبٍ»، فَهَا هُمْ الْدُعَاةُ إلَىْ اللهِ سُبْحَانَهُ يُسْجَنُوْن، مِنْ زَمَنِ الْأنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ إلَىْ يَوْمِنَا هَذَا فِيْ سُجُوْنِ الْطَوَاغِيْتِ، سَوَاءَاً طَوَاغِيْتُ قَرَيْشٍ أوْ طَوَاغِيْتٌ غَيْرُهُمْ، فَإنْ نَظَرْنَا إلَىْ الْمُعَاصِرِيْنَ فِيْ زَمَانِنَا هَذَا، فَإنَ الْسِجْنَ بَاتَ لِلْإسْلَامِيْنَ مَأوَىً وَعَرِيْنَاً.. فَهَا هُوَ «عِمْلَاقُ الْفِكْرِ الْإسْلَامِيْ» سَيِدْ قُطُبْ –رَحِمَهُ اللهُ- يُسْجَنُ وَيُعَذَبُ وُتُدْخَلُ عَلَيْهِ الْكِلَابُ «وَهُوَ مَرِيْضٌ» بِأمْرِ الْطَاغُوْتِ «جَمَالْ عَبْدِ الْخَاسِرْ» وَمَعَهُ بَاقِيْ الْأسْرَىْ الْذِيْنَ كَانَتْ تُهْمَتُهُمْ أنْ قَالُوْا رَبُنَا اللهُ! وَلَوْ رَكَزْنَا وَمَرْرْنَا عَلَىْ جَمِيْعِ الْسُجَنَاءِ لَأخْرَجْنَا الْمُصَنَفَاتِ الْكَبِيْرَةِ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلِيْهِ الْتَكَلَانُ..
        وَفِيْ أيَامِنَا هَذِهِ، نَرَىْ الْشَيْخَ الْحَبِيْبَ –فَكَ اللهُ أسْرَهُ- «أبَا أسَامَةَ الْنَاصِرِيْ» الْمَعْرُوْفُ بِإسْمِ «نَاظِم ابوسليم» مِنْ بِلَاد فَلَسْطِيْنْ فِيْ الْسُجُوْنْ، وَالْتُهْمَةُ أنَهُ أفْرَدَ اللهَ بِالْألُوْهِيَةِ وَالْرُبُوْبِيَةِ وَكَفَرَ بِالْطَوَاغِيْتِ، وَجَرَّدَ الْعِبَادَةَ للهِ وَحْدَهُ لَا إلَهَ غَيْرُهْ، وَدَعَا الْنَاسَ إلَىْ ذَلِكَ، إقْتِدَاءَاً بِالْأنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنْ حِيْنَ أمَرَهُمِ اللهُ فَقَالَ {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ}، يَقُوْلُ «عِمْلَاقُ الْفِكْرِ الْإسْلَامِيْ» سَيِدْ قُطُبْ –رَحِمَهُ اللهُ-: «فالله سبحانه لا يريد لعباده الشرك، ولا يرضى لهم أن يحرموا ما أحله لهم من الطيبات. وإرادته هذه ظاهرة منصوص عليها في شرائعه، على ألسنة الرسل الذين كلفوا التبليغ وحده فقاموا به وأدوه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ} فهذا أمره وهذه إرادته لعباده»[مِنْ ظِلَالِ الْقُرْآنِ]..
        فَأثْبُتْ شَيْخَنَا الْفَاضِل –فَكَ اللهُ أسْرَكَ-، وَتَذَكَرْ دَوْمَاً أنَ اللهَ وَصَىْ بِالْصَبْرِ حِيْنَ قَالَ { وَٱلْعَصْرِ } * { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ }، وَالْصَبْرُ كَمَا يَقُوْلُ الْعُلَمَاءُ يَعْنِيْ ثَلَاثَةَ أنْوَاعٍ: «الْصَبْرُ عَلَىْ الْطَاعَةِ، وَالْصَبْرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَالْصَبْرُ عَلَىْ قَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ»، فَلَا تَمْكِيْنَ إلَا بِالْمُرُوْرِ بِمُعَانَاةِ الْصَحَابَةِ وَالْعَذَابِ الْذِيْ مَرُوْا فِيْهِ حَتَىْ كَتَبَ اللهُ لَهُمُ الْتَمْكِيْنَ.. وَبِمَا أنَكَ شَيْخٌ –نَحْسَبُكَ وَاللهُ حَسِيْبُكَ وَلَا نُزَكِيْ عَلَىْ اللهِ أحَدَاً- تَطْلُبُ «إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللهِ فِيْ الْأرْضِ» فَإنَكَ عَلَىْ الْحَقِ الْمُبِيْنِ وَعَلَىْ الْصِرَاطِ الْمُسْتَقِيْمِ، الْذِيْ لَا يَرْضَىْ الْإنْحِرَافَ وَالْإعْوِجَاجَ، فَقَدْ نَسِيَتْ «طَوَائِفٌ عِدَةْ» مِنَ الْمُنْتَسِبِيْنَ إلَىْ الْإسْلَامِ «الْتَوْحِيدَ الْخَالِصَ» وَلَمْ يَفْهَمُوْا دَعْوَةَ الْأنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، فَإجْعَلْ أمَامَ نُصْبِ عَيْنَيْكَ أنَهُ إنْ أرَدْتَ تَمْكِيْنَاً فَعَلِيْكَ أنْ تَكُوْنَ «فِدَائِيَاً» كَالْصَحَابِيْ عَلِيْ بِن أبِيْ طَالِبْ، وأنْ تَكُوْنَ «جَبَارَاً» كَالْصَحَابِيْ عُمَرْ بِنْ الْخَطَابِ، وَأنْ تَكُوْنَ «مِعْطَاءَاً» كَالْصَحَابِيْ عُثْمَانْ بِنْ عَفَانْ، وأنْ تَكُوْنَ «صَبُوْرَاً» كَالْصَحَابِيْ بِلالْ بِنْ رَبَاحْ وَأنْ تُرَدِدَ «أحَدٌ.. أحَدْ»، وَأنْ تَكُوْنَ «مُؤْمِنَاً وَاثِقَاً» كَالْصَحَابِيْ أبِيْ بَكْرٍ، وَأنْ تَكُوْنَ «عَالِمَاً» كَالْصَحَابِيْ إبْنُ عَبَاسٍ، وَأنْ تَكُوْنَ «حَافِظَاً» كَالْصَحَابِيْ أبِيْ هُرَيْرَةَ، وَلَنْ تَجْمَعَ كُلَ هَذِهِ الْصِفَاتَ، فَإعْمَلْ عَلَىْ «إحْيَاءِهَا» لِإحْيَاءِ جِيْلٍ يَكُوْنُ قَرِيْبَاً مِنْ جِيْلِ الْصَحَابَةِ –رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهُمْ-

فَكَ اللهُ أسْرَكَ
وَثَبَتَكَ وَأعَانَكَ
وَطَهَرَكَ مِنَ الْذُنُوْبِ وَالْآثَامِ
وَالْحَمْدُ للهِ رَبِ الْعَالِمِيْنْ
وَالْصَلَاةُ وَالْسَلَامُ عَلَىْ أشْرَفِ الْأنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنْ
وَكَتَبَهُ،
أبو إسحاق الْدَبُوْرِيْ
6 ذُوْ الْحِجَةِ 1431 هـ
12\11\2010 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق